: قصيدة من عيون الشعر العربي
إلى من يرمون الشعر العربي القديم والحديث بالقصور والتقصير
وأنه شعر بعيد عن أحداث المجتمع
ولا يستطيع هذا الشعر أن يواكب الأحداث
ويصور مشاعر الناس
وعندنا في الشعر العربي قصائد متناثرة
لشعراء مغمورين ، بالكاد يعرفهم العامة
بل الخاصة ..........
فهذا شاعر جاهلي قديم ، لأنه من أهل القرن السادس الميلادي ،
وهو مغمور ، من الأغفال والمجاهيل
هو الشاعر جران العود النمري
ويبدو أنه قد تزوج مرارا
وأنه قد جمع بين امرأتين .
ولكنه لم يكن سعيدا في زواجه قط
فقال هذه القصيدة الحائية ، التي تصور خلجات النفس
وتتحدث عما لقيه في زواجه من المتاعب
فقصيدة جران العود هذه قصيدة رائعة
وهو يصور فيها ما لقيه في زواجه من المتاعب
بعد أن كان قد أغرم بامرأة لجمالها ، وحسن سمتها ، وجمال مخبرها
ودفع لأهلها مهرا كبيرا ، ثم تزوجها على امرأة كانت عنده.
وموضوع القصيدة من الموضوعات النادرة في شعرنا العربي .
كما أن فيها شيئا من المرح ، وكثيرا من حسن التصوير ، وصحة التعبير
وهذه القصيدة هي أول قصيدة في ديوانه المطبوع
باسم :
ديوان جران العود النمري ، القاهرة – دار الكتب المصرية / 1350هـ = 1931م :
أَلا يَـغُـرَّنَ اِمـــرَأً نَوفَـلِـيَّـةٌعَلى الرَأسِ بَعدي أَو تَرائِبُ وُضَّحُ
وَلا فاحِمٌ يُسقـى الدِهـانَ كَأَنَّـهُأَسـاوِدُ يَزهاهـا لِعَينَيـكَ أَبطَـحُ
وَأَذنابُ خَيلٍ عُلِّقَت فـي عَقيصَـةٍتَرى قُرطَها مِـن تَحتِهـا يَتَطَـوَّحُ
فَإِنَّ الفَتى المَغرورَ يُعطي تِـلادَهُوَيُعطى الثَنا مِن مالِـهِ ثُـمَّ يُفضَـحُ
وَيَغـدو بِمِسحـاحٍ كَـأَنَّ عِظامَهـامَحاجِـنُ أَعراهـا اللِحـاءَ المُشَبِّـحُ
إِذا اِبتُزَّ عَنها الدِرعُ قيلَ مُطَـرَّدٌأَحَصُّ الذُنابى وَالذِراعَينِ أَرسَـحُ
فَتِلكَ الَّتي حَكَّمتُ في المالِ أَهلَهاوَما كُلُّ مُبتاعٍ مِـنَ النـاسِ يَربَـحُ
تَكونُ بِلَوذِ القِـرنِ ثُـمَّ شِمالُهـاأَحُثُّ كَثيراً مِن يَمينـي وَأَسـرَحُ
جَرَت يَومَ رُحنا بِالرِكـابِ نَزُفُّهـاعُقابٌ وَشَحّـاجٌ مِـنَ الطَيـرِ مِتيَـحُ
فَأَمّا العُقابُ فَهـيَ مِنهـا عُقوبَـةٌوَأَمّا الغُرابُ فَالغَريـبُ المُطَـوَّحُ
عُقابٌ عَقَنباةٌ تَرى مِـن حِذارِهـاثَعالِبٌ أَهـوى أَو أَشاقِـرَ تَضبَـحُ
عُقـابٌ عَقَنبـاةٌ كَـأَنَّ وَظيفَـهـاوَخُرطومَهـا الأَعلـى بِنـارٍ مُلَـوَّحُ
لَقَد كانَ لي عَن ضَرَّتَينِ عَدِمتُنيوَعَمّـا أُلاقـي مِنهُمـا مُتَـزَحـزَحُ
هُما الغُولُ وَالسِعلاةُ حَلقـي مِنهُمـامُخَدَّشُ ما بَيـنَ التَراقـي مُجَـرَّحُ
لَقَـد عاجَلَتنـي بِالنِصـاءِ وَبَيتُهـاجَديدٌ وَمِن أَثوابِها المِسكُ يَنفَـحُ
إِذا ما اِنتَصَينا فَاِنتَزَعتُ خِمارَهـابَدا كاهِلٌ مِنهـا وَرَأسٌ صَمَحمَـحُ
تُداوِرُني في البَيتِ حَتّى تَكُبَّنـيوَعَينِيَ مِن نَحـوِ الهِـراوَةِ تَلمَـحُ
وَقَد عَلَّمَتني الوَقـذَ ثُـمَّ تَجُرُّنـيإِلـى المـاءِ مَغشِيّـاً عَلَـيَّ أُرَنَّـحُ
وَلَم أَرَ كَالمَوقوذِ تُرجـى حَياتُـهُإِذا لَم يَرُعهُ المـاءُ ساعَـةَ يَنضَـحُ
أَقولُ لِنَفسي أَينَ كُنتِ وَقَـد أَرىرِجـالاً قِيامـاً وَالنِـسـاءُ تُسَـبِّـحُ
أَبِالغَورِ أَم بِالجَلسِ أَم حَيثُ تَلتَقيأَماعِزُ مِـن وادي بُرَيـكٍ وَأَبطَـحُ
خُذا نِصفَ مالي وَاِترُكا ليَ نِصفَهُوَبيـنـا بِــذَمٍّ فَالتَـعَـزُّبُ أَروَحُ
فَيا رَبِّ قَد صانَعتُ عامـاً مُجَرَّمـاوَخادَعتُ حَتّى كادَتِ العَينُ تُمصَحُ
وَراشَيتُ حَتّى لَو تَكَلَّـفَ رِشوَتـيخَليجٌ مِن المُرّانِ قَد كـادَ يُنـزَحُ
أَقـولُ لِأَصحابـي أُسِـرُّ إِلَيـهِـمُلِيَ الوَيلُ إِن لَم تَجمَحا كَيفَ أَجمَحُ
أَأَترُكُ صِبياني وَأَهلـي وَأَبتَغـيمَعاشـاً سَواهِـمُ أَم أَقِـرُّ فَأُذبَـحُ
أُلاقي الخَنا وَالبَرحَ مِن أَمِّ حـازِم ٍوَما كُنتُ أَلقى مِن رُزَينَـةَ أَبـرَحُ
تُصَبِّـرُ عَينَيهـا وَتَعصِـبُ رَأسَهـاوَتَغدو غُدُوَّ الذِئبِ وَالبومُ يَضبَـحُ
تَرى رَأسَها في كُلِّ مَبدىً وَمَحضَر ٍشَعاليلَ لَم يُمشَـط وَلا هُـوَ يُسـرَحُ
وَإِن سَرَّحَتهُ كـانَ مِثـلَ عَقـارِبٍتَشـولُ بِأَذنـابٍ قِصـارٍ وَتَـرمَـحُ
تَخَطّـى إِلَـيَّ الحاجِزيـنَ مُـدِلَّـةًيِكادُ الحَصى مِن وَطئِهـا يَتَرَضَّـحُ
كِنـازٌ عِفِرنـاةٌ إِذا لَحِقَـت بِــهِهَوى حَيثُ تُهويهِ العَصـا يَتَطَـوَّحُ
لَهـا مِثـلُ أَظفارِالعُقـابِ وَمَنسِـمٌأَزُجُّ كَظُـنـوبِ النَعـامَـةِ أَروَحُ
إِذا اِنفَلَتَت مِن حاجِزٍ لَحِقَـت بِـهِوَجَبهَتُها مِن شِـدَّةِ الغَيـظِ تَرشَـحُ
وَقالَت تَبَصَّر بِالعَصا أَصـلَ أُذنِـهِلَقَد كُنتُ أَعفو عَن جِرانٍ وَأَصفَحُ
فَخَـرَّ وَقـيـذاً مُسلَحِـبّـاً كَـأَنَّـهُعَلى الكِسرِ ضِبعـانٌ تَقَعَّـرَ أَملَـحُ
وَلَمّا اِلتَقَينـا غُـدوَةً طـالَ بَينَنـاسِبابٌ وَقَـذفٌ بِالحِجـارَةِ مِطـرَحُ
أَجَلّي إِلَيهـا مِـن بَعيـدٍ وَأَتَّقـيحِجارَتَـهـا حَـقّـاً وَلا أَتَـمَــزَّحُ
تَشُـجُّ ظَنابيبـي إِذا مـا اِتَّقيتُهـابِهِنَّ وَأُخرى في الذُؤابَـةِ تَنفَـحُ
أَتانا اِبنُ رَوقٍ يَبتَغي اللَهوَ عِندَنافَكادَ اِبنُ رَوقٍ بَينَ ثَوبَيـهِ يَسلَـحُ
وَأَنقَذَني مِنها اِبنُ رَوقٍ وَصَوتُهـاكَصَوتِ عَلاةِ القَينِ صُلبٌ صَمَيـدَحُ
وَوَلّـى بِـهِ رادُ اليَدَيـنِ عِظامُـهُعَلـى دَفَـقٍ مِنهـا مَوائِـرُ جُنَّـحُ
وَلَسـنَ بِأَسـواءٍ فَمِنهُـنَّ رَوضَـةٌتَهيـجُ الرِيـاضُ غَيرَهـا لا تَصَـوَّحُ
جُمادِيَّةٌ أَحمى حَدائِقَهـا النَـدىوَمُـزنٌ تُدَلّيـهِ الجَنائِـبُ دُلَّــحُ
وَمِنهُـنَّ غُـلٌّ مٌقـمِـلٌ لا يَفُـكُّـهُمِنَ القَومِ إِلّا الشَحشَحانُ الصَرَنقَـحُ
عَمَـدتُ لِعَـودٍ فَاِلتَحَيـتُ جِرانَـهُوَلَلكَيسُ أَمضى في الأُمورِ وَأَنجَـحُ
وَصَلتُ بِهِ مِـن خَشيَـةٍ أَن تَذَكَّـلايَميني سَريعاً كَرُّهـا حيـنَ تَمـرَحُ
خَـذا حَـذَراً يـا خُلَّتَـيَّ فَإِنَّنـيرَأَيتُ جِرانَ العَودِ قَد كانَ يَصلُحُ
دراسة في حياة الشاعر ، وأخباره ، وشعره :
1- هو جران العود الحارث بن عامر (1) ، لقب عامر جران العود (2)
لأنه كان قد اتخذ جلدا من جران (عنق) العود ( الجمل المسن)
ليضرب به امرأتيه (3) .
كان جران العود خِدنا(4) وتِبعا لعروة بن عتبة
المعروف بعروة الرحال ، فعلى هذا يكون جران العود
من أهل النص الثاني من القرن السادس الميلادي
ولعله أدرك السنوات الأولى من القرن السابع .
وإذا نحن اعتبرنا أسماء الأماكن ، التي وردت في
أشعار جران العود ، وجدنا أنه كان من أهل العالية
في الشمال الغربي من نجد ، قريبا من الحجاز .
يبدو أن جران العود قد تزوج مرارا ، وأنه قد جمع بين امرأتين .
ولكنه لم يكن سعيدا في زواجه قط
ومع ذلك فقد جرب حظه مرة أخرى ، وكانت قد تقدمت به السن
إذ قال (ديوانه 48 ) :
لَولا حُمَيدَةُ ما هـامَ الفُـؤادُ ، وَلارَجَّيتُ وَصَلَ الغَواني آخِرَ العُمُر ِ !